الاب .. ومنظومة العدالة
 
بقلم: المستشار القانوني – مجموعة الوصل للمحاماة والاستشارات القانونية
 
في كل نقاش حول الأسرة والطلاق والحضانة، تتكرر كلمات بعينها: “حقوق الأم – الحضانة – النفقة – حماية المرأة”.
 
لكن أين هو الأب؟
أين مكانه من المعادلة؟
هل هو مجرد “محفظة مالية متحركة”؟ أم أنه أحد ركائز بناء الأسرة واستقرار الطفل؟
وهل النظام القانوني والاجتماعي المعاصر يمنحه الدور الذي يليق به كوالد ومربٍ وشريك في الحياة التربوية؟ أم أنه يُقصى تدريجيًا باسم الرعاية والتقاليد؟
 
هذا المقال يفتح النقاش بجرأة، حول واحدة من أكثر القضايا إهمالًا في منظومة الأحوال الشخصية:
حق الأب… في أبسط حقوقه: الأبوة.
 
1. الأب في القانون: دور مالي بلا امتداد تربوي
 
عند استعراض قوانين الأحوال الشخصية المصرية ومعظم النظم العربية، يظهر جليًا أن دور الأب بعد الطلاق ينحصر في النفقة، والمسكن، والرؤية المحدودة.
            • النفقة واجبة، وإلا تعرّض للحبس.
            • تأمين المسكن أو أجر السكن، واجب، وإلا أصبح متقاعسًا.
            • الرؤية؟ 3 ساعات أسبوعيًا في نادٍ، غالبًا مهمل، ولا يُلزم الحاضن بتنفيذ الحكم إلا بغرامة تافهة.
 
والنتيجة:
 
"أب يُطالب بكل الواجبات… ومجرد من الحقوق.
أب لا يُشارك في قرارات التربية، ولا التعليم، ولا القيم، ولا الدين، ولا المستقبل،
أب يُقصى من حياة أطفاله تدريجيًا، رغم أن القانون يعتبره “وليًّا شرعيًا”."
 
فهل هو “ولي” نظري؟ أم أنه طرف قانوني فعلي؟
 
2. الحضانة في يد الحاضن… والقرارات في يد من؟
 
القانون يُسند الحضانة إلى الأم، ثم الجدة، ثم الخالة، ثم الجدة لأب، ثم الأب… في ترتيب طويل، لا يمنح الأب الأولوية إلا بعد استنفاد كافة النساء.
 
حتى حين يتدخل الأب في تفاصيل جوهرية: كالمدرسة، الدين، السفر، العلاج النفسي – فإنه يواجه:
            • عدم علمه بأي شيء، لأنه لا يقيم مع الطفل
            • عدم إعلامه بأي قرار
            • عدم احترام ولايته القانونية، حتى في التوقيع على أوراق رسمية
 
يُصبح الأب “وليًا مع وقف التنفيذ”، أو مواطنًا من الدرجة الثانية في حياة طفله، رغم أنه، قانونًا، صاحب الولاية المالية والتعليمية.
 
أليس هذا إهدارًا صريحًا لدور الأب؟
أين النصوص التي تُلزم الحاضن بالتواصل مع الأب في شؤون الطفل؟
أين العقوبة على من يخفي الطفل عن والده؟
أين حق الأب في المتابعة؟ في التواصل المدرسي؟ في توجيه الطفل دينيًا وأخلاقيًا؟
3. الرؤية… شكلية بحتة لا ترقى للعلاقة الأبوية
 
الحكم بالرؤية في مصر وعدة دول عربية يُعد شكليًا ومجردًا من القوة التنفيذية.
            • يتم تحديد يوم واحد فقط، غالبًا ثلاث ساعات.
            • في مكان عام، بلا خصوصية، بلا راحة، بلا مرونة.
            • إذا تغيبت الحاضنة، تُحرر محضر، ثم إنذار… ولا شيء بعده.
 
لا توجد عقوبة حقيقية، ولا وسيلة ردع، ولا وسيلة بديلة، ولا يحق للأب أن يُطالب بتعويض عن المنع. بل إن كثيرًا من الأمهات، لأسباب عناد أو انتقام أو “مزاج”، تمنع الطفل شهورًا دون عواقب.
 
فكيف يمكن لطفل أن ينشأ متوازنًا وهو يرى والده مرة في الأسبوع، إن جاء؟
وهل تُبنى العلاقة الأبوية على زيارات مجتزأة تحت حراسة أمنية؟
 
4. الأبوة ليست وظيفة… إنها شراكة نفسية وتربوية
 
في النظم الغربية الحديثة (ككندا، ألمانيا، السويد)، يتم الاعتراف بـ الحضانة المشتركة منذ البداية، مهما كان مكان الطفل، مع تنظيم:
            • التواصل الإلكتروني الدائم
            • الزيارات الممتدة والعطلات المدرسية
            • القرار المشترك في التعليم والدين والسفر
            • عقوبات رادعة عند الإخلال بحق الطرف الآخر في الأبوة أو الأمومة
 
في هذه النظم، لا يُنظر إلى الأب كـ “ATM”، بل كشريك حقيقي في البناء النفسي والتربوي. بينما في بلادنا، نُلزمه بدفع كل شيء، ونسلبه كل تأثير، ونلومه إن بكى أو غاب، أو لجأ للمحاكم.
 
5. الغياب التشريعي… والضرورة العاجلة للإصلاح
 
نحتاج اليوم إلى إصلاح جذري في قوانين الأسرة، يُعيد للأب مكانته الطبيعية:
 
مقترحات تشريعية واقعية:
            • تفعيل نظام الحضانة المشتركة أو الاستضافة الموسعة
            • معاقبة من يمنع الرؤية بالسجن أو الغرامة الجدية
            • إلزام الحاضن بمشاركة الأب في القرارات التربوية
            • منح الأب الحق في مراجعة التقارير الطبية والمدرسية
            • تحديد معيار “المصلحة الفضلى للطفل” بشكل واقعي لا انحيازي
 
6. الأب ليس خصمًا… بل شريك أساسي في بناء الإنسان
 
نظرة المجتمع إلى الأب بعد الطلاق مشوّهة: إما أنه رجل شرير طلّق وهرب، أو مُنفِق فحسب، أو غائب عمدًا.
 
لكن الحقيقة أن كثيرًا من الآباء ضحايا منظومة قانونية واجتماعية تُقصيهم دون ذنب، وتمنعهم من ممارسة دورهم بحجة “الحضانة”.
 
وقد آن الأوان لإعادة تصحيح هذا المسار، لأن الأب لا يجب أن يُهمّش، ولا يجب أن يُجرّد من أبسط حقوقه… بل يجب أن يُعامل كما تُعامل الأم، لا أكثر… ولا أقل.
 
ختاما .. الأب هو السند الأول للطفل، وهو المثل، والحامي، والضابط الأخلاقي والنفسي، وكلما تم تجريده من دوره، كلما ضاع الطفل، وانهارت الأسرة من الداخل.
 
إن إنصاف الأب ليس ترفًا قانونيًا… بل ضرورة لحماية نسيج المجتمع وتوازن الطفل نفسيًا واجتماعيًا.
 
إن أردنا مجتمعًا سليمًا…
فلنبدأ من إعادة الحق للأب في أن يكون أبًا.

مجموعة الوصل القانونية ، محامون متخصصون في قضايا الأحوال الشخصية بخبرات تمتد لسنوات، ومئات القضايا الناجحة، ومواقف تفاوضية حساسة تُدار بأقصى درجات التحكّم والسيطرة النفسية.
نسعد دائما بتواصلكم معنا
العنوان: جمهوريه مصر العربية - الجيزة - الشيخ زايد - سنترادا مول، مكتب201

جميع الحقوق محفوظة © 2025 مجموعة الوصل القانونيه
تم التطوير بشركة لوجيك نيد ذ.م.م
Logic Need Co., LTD