الزوج بين الرقابه ووصاية المجتمع
بقلم المستشار – مجموعة الوصل للمحاماة
 
في زمن لا يُفارق فيه الهاتف اليد، أصبحت العلاقة بين الرجل ووسائل التواصل الاجتماعي أحد أبرز وجوه التوتر الأسري الحديثة. لم يعد الخلاف الزوجي يدور حول الغياب عن البيت أو عدم التقدير فحسب، بل بات يُثار حول متابعة “منشور”، أو ضغط “إعجاب” على صورة، أو تعليق في غير محله، أو حتى وجود الزوج على منصة دون علم الزوجة.
 
فهل تحوّلت الحرية الرقمية للرجل إلى تهمة؟
وهل أصبحت الزوجة تُمثّل عين الرقابة الأخلاقية والاجتماعية على نشاطه في الفضاء الإلكتروني؟
أم أن الرجل هو من خرق قواعد الالتزام عبر سلوكيات “افتراضية” تجاوزت حدود الاحترام؟
 
 
الشك الرقمي: حين تبدأ معركة من قلب الهاتف
 
في كثير من القضايا التي تُعرض أمام محاكم الأسرة، بدأت “الرسائل الإلكترونية” و”المحادثات” و”المنشورات” تأخذ مكانًا في الأوراق الرسمية المقدمة كأدلة. زوجة تصوّر شاشة هاتف زوجها وتعرض محتواه كدليل على “الخيانة”، أو “الكذب”، أو “الازدواجية”، وهو ما يُطرح تحت باب “الضرر المعنوي” في دعاوى الطلاق للضرر أو الخلع.
 
ولكن في المقابل، هناك رجال يُتهمون ظلمًا بسبب “لايك” عابر، أو متابعة لفنانة، أو صداقات افتراضية قد لا تحمل أي مدلول فعلي. وهنا يبرز سؤال قانوني واجتماعي مهم:
هل تُبنى الاتهامات الأخلاقية على أفعال غير مُجرَّمة قانونًا؟ وهل من حق الزوجة أن تُمارس رقابة مستمرة على هاتف الزوج، ومحادثاته، وعلاقاته الرقمية؟
 
القانون المصري، حتى اللحظة، لا يجرّم “الإعجاب” أو “المتابعة”، ولا يعتبرها خيانة، مالم تقترن بالفعل المادي. بل يضع حدودًا بين الحياة الشخصية والرقابة غير المشروعة، ويمنع التنصت أو التجسس على المراسلات الخاصة دون إذن.
 
لكن في الواقع الاجتماعي، أصبحت هذه التفاصيل محل خصام دائم. زوجة تتفقد هاتف زوجها يوميًا، وأخرى تراقب من يتابعه، وثالثة تُرسل من حسابات وهمية لاختباره. وقد يدافع البعض عن هذا السلوك باعتباره “حقًا في الشفافية”، بينما يراه القانونيون تعديًا على الخصوصية، بل وقد يُشكل جريمة معلوماتية في بعض الأحوال.
 
 
هل للزوج حياة خاصة بعد الزواج؟
 
يخطئ من يظن أن الزواج يُلغي المسافة بين الشخص وذاته. فلكل طرف حياته الخاصة، أفكاره، دوائره، وحقه في الخصوصية. الزوج الذي يستخدم هاتفه في عمله، تواصله، أو حتى فضائه الشخصي، لا يجوز أن يُعامل كمشتبه به لمجرد امتلاكه خصوصية رقمية.
 
وهنا تظهر المعضلة الكبرى:
هل تستطيع الحياة الزوجية أن تقوم على الثقة، إذا كان الهاتف ساحة تفتيش؟
وهل تُحل مشكلات الغياب أو الجفاء أو الفتور العاطفي، عبر تتبّع من يُتابعه الزوج على “إنستغرام”؟
 
 
 
 التوازن القانوني: لا تجسس ولا انحراف
 
من جهة، يرفض القانون ممارسات مثل التجسس على الحسابات، سرقة كلمات المرور، أو تقديم صور ومحادثات خاصة كأدلة تم جمعها بطرق غير قانونية. ومن جهة أخرى، لا يحمي القانون من يتجاوز الفضاء الرقمي إلى الإضرار بالزوجة نفسيًا أو معنويًا، عبر علاقات مشبوهة، أو ألفاظ مهينة، أو مشاركة مضامين مخلة تثير شكوكًا مشروعة.
 
إن حرية الرجل على السوشيال ميديا ليست مطلقة، بل محكومة بقيم الحياة الزوجية. ومن يعتقد أن الهاتف مكان للحرية الكاملة، دون اعتبار للزوجة أو الأسرة، يفتح على نفسه بابًا من النزاع يصعب إغلاقه.
 
الخلاصة:
 السوشيال ميديا مرآة النوايا… لا بديلاً عن الحوار
 
السوشيال ميديا لم تخلق الخلاف بين الأزواج، لكنها فضحت هشاشة الثقة، وأخرجت ما كان يُقال في الغرف المغلقة إلى العلن الرقمي. الرجل الذي يستخدم هاتفه بشكل عاقل ومتوازن، لا يخشى شيئًا. أما من يتخذ من “العالم الرقمي” مخرجًا من التزاماته، أو مهربًا من واقعه، فهو يفتح أبواب الانهيار من حيث لا يدري.
 
والزوجة التي تظن أن الحل في تفتيش الهاتف، تعيش في دوامة لا تنتهي. فالثقة لا تُؤسس من خلال كلمة مرور، بل من خلال حوار ناضج، احترام متبادل، ووعي أن الحياة الرقمية ليست عدوًا… بل أداة، إن أُحسن استخدامها، عززت العلاقة… وإن أُسيء توظيفها، دمرتها.
 
مجموعة الوصل القانونية ، محامون متخصصون في قضايا الأحوال الشخصية بخبرات تمتد لسنوات، ومئات القضايا الناجحة، ومواقف تفاوضية حساسة تُدار بأقصى درجات التحكّم والسيطرة النفسية.
نسعد دائما بتواصلكم معنا
العنوان: جمهوريه مصر العربية - الجيزة - الشيخ زايد - سنترادا مول، مكتب201

جميع الحقوق محفوظة © 2025 مجموعة الوصل القانونيه
تم التطوير بشركة لوجيك نيد ذ.م.م
Logic Need Co., LTD