تفكيك دور الأب في التربية الحديثة
 تفكيك دور الأب في التربية الحديثة: حين تُقصى اليد التي تُربّي باسم “الحد من العنف”

بقلم: المستشار القانوني – مجموعة الوصل للمحاماة والاستشارات القانونية
 
في زمن تتسارع فيه مفاهيم التربية الحديثة وتتداخل فيه المفاهيم النفسية مع التوجهات القانونية، يبدو أن دور الأب – كقائد تربوي وموجّه سلوكي – يتعرض لعملية تقويض منهجية وناعمة، تُحجّم وجوده في حياة أبنائه، وتُعيد رسم حدوده ليس بناءً على دوره الطبيعي، بل وفق تصورات تربوية شديدة التحيز وأحيانًا غير منضبطة.
 
صار الحديث عن الأبوة يرتكز أكثر على التمويل والرؤية في مراكز الشباب، وأقل على التربية والمرافقة والتقويم، وكأن الوجود الأبوي صار وظيفة لوجستية فقط، وليس عمقًا وجوديًا في وجدان الطفل وشخصيته.
 
فما الذي حدث؟ ولماذا يتم تهميش صوت الأب في تربية أولاده؟ وهل هذا الانفصال بين الأب وأبنائه قانوني المنشأ، اجتماعي التطور، أم سياسي الغاية؟
 
الأب… من المربّي إلى الممول
 
لطالما كان الأب يُمثل في الخيال الاجتماعي رمز الانضباط والحماية والقيادة. هو من يُقوّم، ويُرشد، ويمنح الطفل ذلك الإحساس بالأمان الذي ينبع من وجود ضابط يُراقب سلوكه ويوجّهه. ولكن مع تصاعد خطاب “التحرر من الأبوة الصارمة”، تحوّلت هذه الصورة إلى نقيضها.
 
أصبح الأب “المُخوّف”، و”السلطوي”، و”الذكوري”، الذي يُهدد التوازن النفسي للطفل، وصار من السهل – تربويًا – أن يُوصى بإبعاده عن مشهد التربية بزعم تهدئة الأجواء، حتى وإن لم يمارس أي عنف فعلي.
 
تأثّرت المؤسسات التعليمية والإعلامية والمجتمعية بهذا التوجه، حتى أضحى وجود الأب في التفاصيل اليومية للطفل ترفًا، أو قيدًا يجب التخلص منه.
 
 
الطلاق… وتكريس الإقصاء
 
عند الطلاق، يكتمل هذا المشهد المفكك. فالقانون يمنح الأم حق الحضانة الكامل، ويقصر رؤية الأب – غالبًا – على ثلاث ساعات أسبوعية في مكان عام، دون أية مشاركة فعلية في التربية، التعليم، المتابعة الصحية أو الأخلاقية.
 
ويزيد الطين بلة أن الرؤية لا تُنفذ بقوة الدولة كما تُنفذ أحكام النفقة. وإذا امتنعت الحاضنة، تُحرر شكوى… دون جدوى وهكذا يتحول الأب تدريجيًا إلى “زائر”، أو في أحسن الأحوال، إلى دافع نفقة صامت يُستدعى فقط عند الحاجة المالية، بينما يُستبعد من جميع الأدوار التربوية.
 
التربية الحديثة… حين تنقلب على نفسها
 
يتحدث البعض عن التربية الإيجابية، وعن تجنّب العقاب، ورفض القسوة، وهي مفاهيم نبيلة في ذاتها، لكن الملاحظ أن هذه المفاهيم تُوظف في كثير من الأحيان لتبرير إقصاء الأب من مسرح الأسرة، تحت دعوى “الحماية من التأثير السلبي”، أو “الاستقلال النفسي للطفل”، أو “مناهضة السلطة الذكورية”.
 
وهذا الانحراف المفاهيمي يجعل من كل نصيحة أبوية “تدخّلًا”، ومن كل تقويم “تعديًا”، ومن كل متابعة “تحكمًا”.ويتم تحميل الأب – وحده – وزر السلوكيات الخاطئة، وكأن الأم لا تشارك في صناعة النموذج أو في تشكيل منظومة القيم.
 
الآثار القانونية والاجتماعية لعزل الأب
  1. أبناء دون هوية قيمية واضحة: غياب الأب من الساحة التربوية يؤدي إلى افتقاد التوازن، خاصة في النماذج الذكورية التي تحتاج إلى قدوة حقيقية، لا صورة في صورة.
  2. خصومة قانونية مستدامة: حين يُقصى الأب، تتحول العلاقة من تربية إلى خصومة، ومن تقويم إلى تقاضٍ، ومن شراكة أسرية إلى صراع سلطات داخل المحكمة.
  3. صعوبة بناء التواصل بعد سن الحضانة: بعد أن يبلغ الطفل السن القانونية للانتقال لحضانة الأب، يكون قد تربى لسنوات على غياب هذا الطرف، ما يصعّب إعادة دمجه في حياته، نفسيًا واجتماعيًا.
  4. فقدان الاحترام الرمزي للأبوة: مع الوقت، يتضاءل احترام الطفل للأب كمرجعية. فهو يرى أمًا حاضنة تقرر وحدها، ومجتمعًا يُصفّق لها، وقانونًا يدعمها، مقابل أبٍ على الهامش.
 
إعادة تعريف الشراكة الأبوية
 
لا يمكن إنقاذ التوازن الأسري دون إعادة صياغة دور الأب في القانون والتطبيق. فالمطلوب ليس سحب الحقوق من الأم، بل تمكين الأب من دوره دون تحفّظ، وتوسيع مساحات الرؤية إلى تواصل فعلي، وإعطائه فرصة للمشاركة في القرارات التربوية، التعليمية، الصحية، والنفسية.
 
كما يجب أن تُستحدث آليات قانونية لضمان تنفيذ الرؤية كحق للطفل لا للأب فقط، وأن يُجرّم التحايل على أحكامها، تمامًا كما تُجرّم إسقاط النفقة أو التحايل على أحكامها.
 
ختامًا: الأب ليس زائرًا
 
إن كل خطاب تربوي يُقصي الأب من المشهد هو خطاب يفتقر إلى العمق. وكل قانون يُهمّش مشاركته هو قانون يحتاج إلى إعادة نظر.
 
الأب ليس خصمًا في التربية، بل شريكًا حيويًا في صناعة الإنسان.
 
وإذا أردنا أطفالًا متزنين… نحتاج إلى آباء حاضرين، لا “محكومين بالرؤية”.
مجموعة الوصل القانونية ، محامون متخصصون في قضايا الأحوال الشخصية بخبرات تمتد لسنوات، ومئات القضايا الناجحة، ومواقف تفاوضية حساسة تُدار بأقصى درجات التحكّم والسيطرة النفسية.
نسعد دائما بتواصلكم معنا
العنوان: جمهوريه مصر العربية - الجيزة - الشيخ زايد - سنترادا مول، مكتب201

جميع الحقوق محفوظة © 2025 مجموعة الوصل القانونيه
تم التطوير بشركة لوجيك نيد ذ.م.م
Logic Need Co., LTD