حق المرأة بين الإنصاف القانوني والتوظيف المجتمعي
حقوق المرأة بين الإنصاف القانوني والتوظيف المجتمعي: حماية مشروعة أم درع لاختلال التوازن الأسري؟

بقلم المستشار القانوني
 
في العقود الأخيرة، شَهِدَ العالم العربي تحولًا جذريًا في الخطاب القانوني والاجتماعي المرتبط بحقوق المرأة. من كونها موضوعًا هامشيًا في السجال العام، إلى تصدرها الساحة كقضية مركزية في التشريعات، والخطط التنموية، وخطابات المنظمات الحقوقية. هذا التحول، وإن كان في جوهره نتيجة تراكمات تاريخية من التهميش والتمييز، إلا أنه فتح الباب أيضًا لتساؤلات مشروعة حول مدى توازن هذا “التمكين” مع بنية المجتمع، والعلاقة الأسرية، ودور الرجل الذي بدا في بعض الأحيان وكأنه يُزاح به تدريجيًا خارج دائرة التأثير.
 
يجب الاعتراف – في البدء – أن المرأة العربية، والمصرية على وجه الخصوص، كانت ضحية لسنوات طويلة من سوء الفهم الديني، والتقاليد البالية، وتسييس مفاهيم الشرف والوصاية الأبوية، بل وسوء توزيع الأدوار الاجتماعية الذي جعلها في كثير من الأحيان حبيسة الوظائف الثانوية، أو الطرف الذي يُلام دومًا حين ينهار الكيان الأسري، دون أن يُتاح لها الصوت الكافي أو الحماية القانونية اللازمة. من هنا، كان لا بد من تصحيح جذري لهذه المنظومة، وهو ما بدأ تدريجيًا من خلال قوانين الأحوال الشخصية، والتعديلات الدستورية، ومبادرات التمكين السياسي والاقتصادي للنساء.
 
القانون المصري، على سبيل المثال، أصبح يمنح المرأة اليوم مجموعة من الحقوق التي كانت قبل عقود من الزمن تُعدّ غير قابلة للتخيل. فلها الحق في الطلاق، وفي النفقة، وفي السكن، وفي الحضانة، وفي المشاركة السياسية، وفي الإرث دون تمييز، وفي التعليم، والعمل، والتنقل، بل ووُضعت مؤسسات كاملة مثل المجلس القومي للمرأة لحمايتها والدفاع عنها وتمثيلها أمام السلطة التشريعية والتنفيذية. هذه المكاسب التشريعية ليست منّة، بل هي نتيجة نضال مشروع ومشروع قانوني طال انتظاره.
 
لكن المعضلة بدأت تظهر حين تحوّلت بعض هذه الحقوق إلى أدوات تُستخدم في النزاع أكثر مما تُستخدم في البناء، وبدأ التمكين يتحوّل – في بعض الحالات – إلى تفكيك للأسرة، أو إلى إضعاف موقف الرجل داخل بيته، أو إلى خلق حالة من التصادم الدائم بين الطرفين. فعلى سبيل المثال، الحضانة التي كانت تهدف لحماية الطفل، صارت في بعض الأحيان وسيلة للضغط على الأب، والنفقة التي كانت ضرورة شرعية، صارت تُستخدم كوسيلة انتقامية أكثر منها وسيلة إعاشة، وبعض الزوجات أصبحن يلجأن للقانون بهدف الخروج بأقصى قدر من المكاسب، دون النظر إلى منطق الشراكة، أو إلى حسن العشرة، أو إلى مآلات القرارات الأسرية.
 
بعض النساء تحوّلن إلى “ضحايا مهارات قانونية” اكتسبنها من جلسات السوشيال ميديا، لا من واقع فعلي للظلم. وهذا لا ينفي أبدًا أن هناك نساءً يُعانين في صمت من الإهمال، أو الإيذاء، أو القهر الأسري، ولكن مواجهة الظلم لا تكون بخلق ظلم جديد. العدالة لا تُبنى على التحيز، ولا على الصوت الأعلى، بل على الإنصاف لكلا الطرفين.
 
كذلك، يجب الإشارة إلى أن بعض المؤسسات الحقوقية تحوّلت من منابر للحماية إلى منابر للضجيج السياسي، تُدير ملفات المرأة بمنطق البيانات الصحفية لا بمنطق الحلول الواقعية، وتغفل عن أن حماية المرأة لا تعني دفعها نحو العداء مع الرجل، بل نحو التفاهم والتوازن معه. لا يمكن أن تُبنى الأسرة، وهي الخلية الأولى في جسد المجتمع، على الصراع. التمكين لا يجب أن يُفهم على أنه نزع السلطة من الرجل، بل على أنه استعادة لدور المرأة دون أن يُهدَم الكيان الذي يجمعها مع الرجل في علاقة تشاركية.
 
لهذا، فإن حقوق المرأة الحقيقية لا تكتمل إلا حين تكون منسجمة مع طبيعة المجتمع، ودور الرجل، وحماية الأطفال، واستقرار الكيان الأسري. لا نحتاج إلى نساء قويات فقط، بل إلى أسر قوية، ورجال أقوياء لا يخشون القانون، بل يجدون فيه عدالة لا انحيازًا. والمرأة ذاتها لا تريد قانونًا يمنحها مكاسب وهمية، بل قانونًا يمنحها احترامًا في بيتها، وكرامة في مجتمعها، وعدالة إذا ساءت الأحوال.
 
في النهاية، يجب أن ننظر إلى حقوق المرأة بوصفها جزءًا من منظومة متكاملة، لا تُبنى فيها الحقوق على الغلبة أو الصراخ، بل على التوازن، والعقل، والنية الصادقة لبناء أسرة لا تخسر أحد أطرافها لصالح الآخر. فالعدالة لا تعني أن تفوز المرأة، بل أن يربح الجميع.
مجموعة الوصل القانونية ، محامون متخصصون في قضايا الأحوال الشخصية بخبرات تمتد لسنوات، ومئات القضايا الناجحة، ومواقف تفاوضية حساسة تُدار بأقصى درجات التحكّم والسيطرة النفسية.
نسعد دائما بتواصلكم معنا
العنوان: جمهوريه مصر العربية - الجيزة - الشيخ زايد - سنترادا مول، مكتب201

جميع الحقوق محفوظة © 2025 مجموعة الوصل القانونيه
تم التطوير بشركة لوجيك نيد ذ.م.م
Logic Need Co., LTD