حقوق الرجل في ظل القانون… مركز متآكل في صمت
بقلم: المستشار القانوني – مجموعة الوصل للمحاماة والاستشارات
في خضمّ الخطاب المتصاعد عن تمكين المرأة، والاحتفاء بمكتسباتها القانونية والاجتماعية، يتوارى في الظل طرفٌ أساسي من أطراف المعادلة الأسرية: الرجل.
هذا الكيان الذي طالما حمل على عاتقه صفة “القوّام” في البناء الشرعي للأسرة، يجد نفسه – في كثير من الأحيان – في موقع الدفاع لا القيادة، في موقع المُتهم لا المسؤول، وفي موقع المهزوم قانونًا، لا الشريك المتكافئ.
القضية هنا ليست دعوة للعودة إلى ماضٍ تقليدي جامد، ولا تهجمًا على حقوق مكتسبة لنساء عانين طويلًا من التهميش، بل هي محاولة لفهم موضع الرجل اليوم في ظل قانونٍ بدأ – بغير قصد – في تجريده من أدواته، وتحييده من مشهد الأسرة التي يُفترض أنه أحد أركانها.
حين تُصبح الحقوق “منحًا مؤجلة”
الرجل، بوصفه الزوج أو الأب، يُفترض أنه يتمتع بمجموعة من الحقوق القانونية الأساسية: القوامة بما تتضمنه من قيادة القرار الأسري، الحق في رؤية أطفاله، سلطة المشاركة في تربيتهم، الحماية من الإيذاء المعنوي، وحفظ كرامته القانونية داخل العلاقة الزوجية.
لكن ما يحدث في كثير من الحالات هو انزياح تدريجي لهذه الحقوق إلى خانة “الامتيازات المؤقتة” التي تسقط عند أول نزاع، وتحلّ محلها سلسلة من الإجراءات العقابية التي تبدأ بدعوى طاعة، ولا تنتهي عند قضايا الحبس بسبب النفقة، أو حرمانه من رؤية أطفاله بقرارات لا تُنفذ.
في المقابل، لا نجد آلية متكافئة تتيح له – على سبيل المثال – طلب تنفيذ حكم الرؤية بإجبار، كما تفعل الأم حين تتأخر النفقة. ولا نجد دعمًا مؤسسيًا لإعادة ترميم علاقته بأبنائه بعد الطلاق، ولا حتى خطابًا اجتماعيًا يُدين حملات التشهير التي يتعرض لها أحيانًا بسبب دعوى لم تُفصل بعد.
القانون… هل أنصف الرجل فعلًا؟
نظريًا، النصوص متوازنة. قانون الأحوال الشخصية لا يُقصي الرجل. بل يضع له وللزوجة حقوقًا وواجبات، ويُنظم العلاقة برشادة لكن التطبيق – كما يعلم كل محامٍ ممارس – أمر آخر.
في الواقع القضائي، تُعامل بعض الشكاوى ضد الرجل وكأنها حقائق مُسلّمة قبل التحقيق. ويكفي مجرد بلاغ من الزوجة أو الأم – أحيانًا دون شهود – لفتح تحقيق جنائي، قد يؤثر على وضعه المهني أو الاجتماعي، ولو ثبت كذب الادعاء لاحقًا.
وفي الحضانة، يظل الأب غريبًا عن حياة أطفاله حتى يبلغوا السن القانونية التي لا تقل عن 15 عامًا، دون أن يكون له الحق في التدخل التربوي أو البيئي أو حتى الديني، رغم أنه مسؤول قانونًا عن نفقتهم وتعليمهم وإقامتهم.
وهنا نلمس خللًا عميقًا: كيف يكون للرجل عبء الإنفاق والمسؤولية، دون أن يكون له حق التوجيه أو المشاركة التربوية؟
الرؤية… الحق المُعطَّل
يُعدّ حق الرؤية من أكثر النقاط إيلامًا في قضايا الأحوال الشخصية. فالرجل قد يحصل على حكم نهائي يُمكّنه من رؤية أطفاله في مراكز الشباب لساعتين أسبوعيًا.
لكن لا توجد آلية فعالة لإجبار الأم على التنفيذ. وإذا امتنعت، يلجأ الأب إلى محضر شرطة ثم شكوى للنيابة… ثم لا شيء.
ويبقى الطفل – وهو جوهر القضية – ضحية حرمان من أحد والديه، بضوء أخضر قانوني غير مباشر، في ظل غياب أيّ تصور لتنفيذ جبر الرؤية كما يتم مع النفقة أو الأحكام المالية.
المجتمع… حين يتحول التحيّز إلى ثقافة
لا يقف الخلل عند القانون وحده، بل يمتد إلى ثقافة اجتماعية باتت ترى الرجل دائمًا في موقع القسوة أو المسؤولية، ولا تمنحه مساحة للضعف أو الإنصاف.
فالأب الذي يُطالب بحقه في الحضانة يُوصم بأنه “ينتقم”، والذي يطلب إثبات براءته من نفقة غير مستحقة يُتهم بالبخل، والذي يعترض على تصرفات الأم يُوصم بالتسلّط، حتى إن كان قانونًا على حق.
تتحول هذه الصور النمطية إلى ضغط نفسي وقانوني يجرد الرجل من أدوات الدفاع عن نفسه، ويضعه في مواجهة خطابين: خطاب القانون الجامد، وخطاب المجتمع المتحيز.
هل آن الأوان لإعادة التوازن؟
المطلوب اليوم ليس فقط تعديل نصوص قانونية، بل مراجعة فلسفة التوازن الأسري في التشريع .... المطلوب أن نُقرّ بأن الرجل ليس دائمًا الطرف الأقوى، وأن مصلحة الأطفال لا تتحقق بقطع صلتهم بأحد الأبوين، ولا يُبنى المجتمع على احتقار دور الأب أو تسطيح مشاركته.
نحتاج إلى قانون يُعيد تعريف “القوامة” في ضوء التحديات المعاصرة، ويُنصف الأب في موقعه، ويُحمّل كل طرف – أبًا وأمًا – مسؤولية بناء الأسرة، لا هدمها.
كما نحتاج إلى مؤسسات حقوقية تعيد قراءة المشهد بحياد، وتكفّ عن اختزال الأسرة في خطاب تمكين أحادي يُقصي طرفًا لصالح آخر.
في النهاية، لا الأسرة تنجح برجل مسحوق… ولا المرأة تَسعد برجل مكسور.