بقلم المستشار القانوني
لم تكن تعلم أنها، حين التقطت تلك الصورة، كانت تضع أول طوبة في جدار سجنها.
كانت تضحك، وتثق، وربما تُحب… وكان هو يُقسم بالشرف والرجولة والنية الطيبة.
الصورة انتقلت إليه بكبسة زر، لكنها ظلت هناك، على ذاكرة هاتفه، مثل رصاصة تنتظر الزناد.
مرت الأيام… تبدل المزاج… تبددت العلاقة… وربما دخلت فتاة أخرى حياته.
أما الصورة؟
فلم تنتهِ بانتهاء الحب… بل بدأت.
في لحظة واحدة، تحول الهاتف إلى كابوس، وتحولت الذكريات إلى تهديد:
“هفضحك لو مفتكرتنيش”
“هتنشريها ولا تسيبي الجامعة؟”
“هات اللي عندك… ولا شوفي الصور دي بتطير ازاي!”
الفتاة لا تعرف ماذا تفعل.
لا هي تقدر تُخبر أهلها،
ولا هي تجرؤ على الذهاب للشرطة.
فهي – كما يقول لها صوت المجتمع – “اللي غلطت من الأول”.
“ليه بعتت له صورة؟”
“ليه وثقت فيه؟”
“هو فيه بنت محترمة تعمل كده؟”
لكن مهلًا…
هل الثقة جريمة؟
هل التعبير عن العاطفة – حتى لو طائشًا – يُسقط الحماية عن الإنسان؟
هل هناك قانون يقول إن من تُخدع تسقط عنها حقوقها؟
أين إذًا القانون؟ وأين المجتمع؟ وأين الدين؟
في قلب هذه الحكايات، يقف الابتزاز الإلكتروني كأحد أبشع جرائم العصر. ليس لأنه فقط يهين الضحية… بل لأنه يفضح خللاً أعمق في الثقافة والقانون والرحمة.
مجتمع كامل يُدير ظهره للفتاة… ويمنح المُبتزّ صك الصمت، بل والتعاطف أحيانًا.
الفتاة قد تموت ألف مرة قبل أن تجرؤ على التحدث.
وقد تُجبر على الدفع… أو التنازل… أو الانسحاب من حياتها.
وفي بعض القصص، ينتهي الأمر بالقفز من شرفة… أو الانهيار العصبي… أو العزلة التامة.
وفي هذه اللحظة، تتكشف الحقيقة:
الصورة لم تكن المشكلة…
بل الاستغلال… والخيانة… والخلل المجتمعي الذي يُدين الضعيف ويبرر للذئب.
هنا، لا يكفي القانون إن لم يُطبّق بحسم.
ولا يكفي الوعظ الديني إن لم يُوجّه للجانِي لا للمجني عليه.
ولا تكفي التقنية إن لم نُربّ جيلًا يحترم معنى الخصوصية والثقة.
هل الحل أن نحذر؟ نعم.
هل نُعلم الفتيات أن الجسد أمانة؟ بالتأكيد.
لكن الأهم: أن نُعلم الذكور أن الأمانة لا تُخان…
وأن من يفكر في استغلال صورة، أو ابتزاز أنثى، أو التهديد بفضيحة،
فهو ليس رجلًا… ولا إنسانًا… بل خطرٌ يجب عزله بالقانون والمجتمع معًا.
في النهاية، تبقى الصورة مجرد صورة…
لكن ما يُعلّق بها من خوف، وعار، ودموع، وندم، وجُبن مجتمع…
هو ما يجب أن يُمحى، لا فقط من الهاتف… بل من الذاكرة الجمعية.