قانون الحضانة في مصر… من يحتضن المصلحة الحقيقية للطفل؟
لطالما كانت الحضانة بعد الطلاق ملفًا محفوفًا بالجدل، لا لأنه ملف قانوني تقني، بل لأنه مسّ مباشرٌ لمشاعر البشر وأقدار الصغار ومصائر الأسر. في مصر، كما في معظم الدول ذات المرجعية الإسلامية، تُمنح الحضانة – وفق الترتيب الشرعي والمدني – للأم أولًا، ثم للجدات، ثم لأقرب النساء، ويأتي الأب متأخرًا في الترتيب… رغم أنه صاحب الولاية والإنفاق.
وهنا تبدأ المفارقة.
عندما يتحوّل “حق الأبوة” إلى ملف مهمل
القانون المصري يعطي الأم الحضانة باعتبارها “أقرب إلى مصلحة الطفل”، لكنها لا تملك الولاية التعليمية أو الصحية أو المالية. هذه تُمنح للأب. فتُصبح الأسرة – بعد الطلاق – كيانًا مقسومًا بين أم تربي وأب يُوقّع الأوراق، دون أن يكون له وجود فعلي في حياة أبنائه، إلا عبر جُدران نادٍ أو مركز شباب، ساعتين أسبوعيًا في “موعد الرؤية”.
فهل يكفي أن يرى الأب أبناءه ساعتين فقط؟ وهل هذه الرؤية المحدودة تُحقق مصلحة الطفل النفسية والعاطفية والاجتماعية؟
المحاكم تعجّ يوميًا بآباء يتوسّلون لقاضٍ أن يمنحهم وقتًا أطول مع أبنائهم. لا ليأخذوهم من أمهم، بل ليحتضنوهم للحظات إضافية، ليعرفوا مذاق “الوجود” لا “الزائر الأسبوعي”. لكن معظم الدعاوى تُرفض، لأن القانون قاصر، ولأن الفقه السائد ما زال يُصنّف الأب كطرف “غير حاضن” بالضرورة.
ماذا يقول الفقه والشريعة؟
الشريعة الإسلامية لم تضع الحضانة في يد الأم لتنتزعها من الأب، بل أعطتها لها لأنها “الأصلح” في مرحلة الطفولة. لكنها لم تُغفل دور الأب، ولم تمنعه من وجود حقيقي وفاعل في حياة أولاده. بل إن الإمام مالك يرى أن للأب الحق في المبيت والرؤية متى شاء، إذا لم يُخلّ ذلك بمصلحة الطفل.
أما الإمام الشافعي فيعتبر أن الأب شريك في الحضانة، حتى لو لم يكن هو الحاضن.
إذن، نحن لا نحتاج إلى اجتهاد فقهي جديد، بل إلى تطبيق عادل لما هو قائم… وإلى قانون يُوازن بين الحضانة كـ”رعاية”، وبين الأبوة كـ”وجود وإنشاء”.
هل نحن أمام أزمة قانون؟ أم ثقافة؟
الأزمة الحقيقية ليست فقط في النصوص، بل في الوعي الاجتماعي , فالكثير من النساء – وبدعم مجتمعي – يستخدمن الحضانة كوسيلة ضغط، ويحرمن الأب من رؤية أبنائه، إما انتقامًا من تجربة فاشلة، أو بدافع السيطرة المطلقة. وفي المقابل، هناك آباء يهربون من مسؤولياتهم، ويعتبرون الأبوة مجرد واجب مالي.
بين هذا وذاك، يُترك الطفل في منتصف الطريق، لا يعرف أي من أبويه أقرب له، وأيهما يُحبّه أكثر. يُربّى على ولاءٍ مشوّه، وعلى روايةٍ أحادية، وعلى غياب الأب عن مشهده التربوي، لا لأن الأب غائب… بل لأن القانون والمجتمع قرّرا إقصاءه.
الحاجة إلى قانون حضانة عصري
لم يعد ممكنًا في 2025 أن نتعامل مع ملف الحضانة بعقلية السبعينات. فإن لم نستطع تطبيق الشريعة والفقه يجب ان نكون عادلين فالمجتمعات تطورت ونحن في دول الديمقراطية اصبحنا نلجأ الي ارضاء النسويه في مقابل الاخلاق والوعي الاسري السوي التي اهدتنا اليه شريعتنا السمحاء
المجتمعات تطورت، والأب اليوم قد يكون أكثر عاطفة واستقرارًا من الأم. والطفل يحتاج لأبويه معًا، لا لأحدهما فقط. ولهذا، فإن الاتجاه العالمي الآن نحو:
• الحضانة المشتركة
• الترتيب الزمني المتكافئ للرؤية
• المبيت الدوري مع الطرف غير الحاضن
• مراعاة رأي الطفل بعد سن معينة
وكل هذا لا يتعارض مع الشريعة، بل يُعيد ترتيب الأولويات بما يُحقق مصلحة المحضون.
كلمة أخيرة .... إذا أردنا أن نبني مجتمعًا متوازنًا، فعلينا أن نتوقف عن معاقبة الرجل على فشل الزواج، وعن تحويل الطفل إلى جائزة تُمنح للأم وخسارة يتحملها الأب.
الأب ليس “طرفًا ماليًا” فقط، بل هو جزء أساسي في البناء النفسي والعاطفي للطفل. وإذا استمر إبعاده بهذه الطريقة، فسنُنتج جيلًا مشوه العلاقة بالأبوة، مهزوز الهوية، ناقص الحماية النفسية.
الحضانة لا تعني التملك. والأمومة لا تُلغى الأبوة.
فلنمنح الطفل حضنًا مزدوجًا… لا قيدًا قانونيًا يمنعه من نصف ذاته.