حين تتهدّم الأسرة بـ”قرار شخصي”: ما هو القرار ؟
حين تتهدّم الأسرة بـ”قرار شخصي”: الرجل الذي ادّخر عمره… فخسر كل شيء في ثانية
بقلم: المستشار القانوني – مجموعة الوصل للمحاماة والاستشارات القانونية
في ساحة العدالة، يُفترض أن تُقاس الحقوق بميزان من ذهب، وأن توزَّع المسؤوليات بعدل لا يُميّز بين طرف وآخر.
لكن، حين ننظر إلى واقع الرجل المتزوج في المجتمع المصري والعربي حاليًا، سنجد أننا أمام معادلة مختلّة أخلاقيًا، وقانونيًا، ونفسيًا… معادلة تبدأ بنوايا طيّبة، وتنتهي غالبًا بجروح لا تُشفى، وخسائر لا تُعوّض، وذكريات لا تُغفر.
نحن لا نتحدث عن حالات فردية. بل عن نمط اجتماعي جديد آخذ في التوسع، تُمارَس فيه “الحرية الفردية” خارج سياقها الطبيعي، فتتحول إلى أداة هدم ممنهجة تُقصي الرجل، وتُجرده من كل ما بناه، لأنه فقط آمن بالحلم… حلم الأسرة.
مشهد البداية: شاب يبني حلمه على أمل “البيت”
شاب في بداية حياته، يقضي سنوات في الادخار، والتقشف، وتحقيق الاستقرار المالي.
يحلم ببيت صغير، زوجة صالحة، أطفال يمنحهم ما لم يمنحه له الزمان.
يشتري شقة، يُجهّزها بالحد الأدنى من ذوقه لأنه – كما تقول الأعراف – الذوق النهائي للزوجة.
يوفر مهرًا معقولًا، يُشارك في فرحها، يتحمّل مسؤولية الإنفاق، ويبدأ معركة الحياة “كجندي من جنود الاستقرار الأسري”.
هو لا يطلب الكثير. فقط أن تبقى السفينة واقفة. أن يظل للبيت سقفٌ يُحميه، وأن لا ينهار كل شيء بـ”قرار داخلي” لا يُشركه فيه أحد.
لكن ما يحدث بعد ذلك، يُشبه زلزالًا قانونيًا واجتماعيًا يضرب حياته دون إنذار.
“أنا عايزة أعيش حياتي”: الكلمة التي تهدم بيتًا بُني على سنوات تعب
في لحظة توتر عادية، أو حتى في وقت لا صراع فيه، تُفاجأ الأسرة – الزوج تحديدًا – بعبارة تتكرر في جلسات الاستشارات:
“أنا ما بقيتش مرتاحة… عايزة أعيش حياتي”.
“حسيت إن الجواز مش لايق عليا”.
“اكتشفت إني عايزة حرية أكتر”.
ليست المشكلة في الرغبة بالانفصال – فالطلاق حق مشروع – لكن المشكلة في ما يُصاحب هذا الانفصال من نتائج قانونية قاسية لا تراعي من ضحّى… بل تُكافئ من تخلّى.
فالرجل الذي بنى، يُطرد.
الذي أنفق، يُدان.
الذي صبر، يُنسى.
والذي لم يخطئ… يُحاسب على مجرد وجوده في معادلة لم تكتمل.
النتائج: تفريغ جيوب… وتفريغ هوية
ما الذي يخسره الرجل حين “تُقرر الزوجة الانفصال” تحت شعار الحياة الجديدة؟
• الشقة التي كتبها باسمها “عشان يأمنها”؟ ضاعت.
• المنقولات التي دفع ثمنها؟ تُسجّل باسمها.
• المؤخر؟ واجب الأداء حتى لو هي التي طلبت الطلاق.
• أجر الحضانة والمسكن والرؤية وأتعاب الخادمة؟ كلها واجبة عليه.
• الأطفال؟ معها، يرى صورهم في الموبايل… إن سُمح له.
ثم يُقال له بعد كل ذلك: “اصرف… واسكت”.
فأين العدل؟
أين القانون الذي يحمي من ضحّى من أجل حلم الأسرة؟
أين التوازن في شراكة يُمكن أن تُنهيها شريكة لم تُربَّ أساسًا على معنى الأسرة؟
المنشأ التربوي للكارثة: حين يُربّى البنات على “الاستحقاق”… لا على “المسؤولية”
المشكلة الأعمق – كما تكشفها التحليلات النفسية والاجتماعية – أن كثيرًا من الفتيات يُربّين اليوم على مفهوم “الزوج كمصدر تمويل”، لا “كشريك حياة”. فتنشأ الفتاة على فكرة أنها تستحق رجلًا يدفع، يُنفق، يُدلّل، يُنفذ… دون أن يُسأل عن قراراتها، أو عن معنى الالتزام الأسري، أو عن مفهوم التضحية المتبادلة.
تتزوج لأنها تريد “بيتًا مرتبًا، صورًا جميلة، ومشاعر رومانسية”، لا لأنها تؤمن برسالة الزواج.
وعند أول أزمة، يُصبح الانفصال “خيارًا مشروعًا”، بل وأحيانًا “خيارًا عصريًا”.
ثم تدخل على السوشيال ميديا، فتجد جمهورًا يشجعها:
“انفدي بعمرك”
“عيشي لنفسك”
“هو مش من حقه يوجّهك”
“خدي حقك… وحق بنات جنسِك”
وهكذا، يُصبح القرار الفردي بهدم الأسرة… قرارًا مُبررًا ثقافيًا، ومدعومًا قانونيًا، ومُكافأً ماليًا.
أين القانون؟
أمام كل هذه المعطيات، يبقى السؤال الحارق:
لماذا لا يراجع القانون هذه الممارسات؟
لماذا لا يُسأل الطرف الذي طلب الانفصال عن الأسباب؟
لماذا يُعاقب الرجل حتى وإن لم يرتكب ذنبًا؟
لماذا لا يُعاد النظر في آليات توزيع الحضانة، والنفقة، والمسكن، بناءً على من أراد الحفاظ على الأسرة ومن سعى لهدمها؟
أليست العدالة تعني “وضع الحقوق في مواضعها”؟
ألا يستحق من تمسّك بعائلته… أن يُكافأ، لا أن يُصفّى؟
ما نحتاجه ليس مزيدًا من قوانين العقوبات… بل من قوانين العدل
في النهاية، لسنا ضد الطلاق، ولسنا ضد المرأة، ولسنا ضد الحقوق.
لكننا ضد العبث بمفهوم الأسرة.
ضد أن تتحول الحرية الفردية إلى أداة تفجير مجتمعي.
ضد أن يُصبح الرجل في بلادنا يخاف الزواج أكثر مما يخاف الدَّين أو المرض.
نحتاج إلى قوانين لا تُكافئ من يهرب، ولا تُقصي من يصمد.
نحتاج إلى تربية مجتمعية تُعيد للمرأة معنى “الشراكة”، وتُعيد للرجل “كرامته القانونية”.
فمؤسسة الأسرة، لا تُبنى بشبكة ومهر وشقة… بل تُبنى بنية راشدة تؤمن أن الزواج ليس حلمًا رومانسيًا… بل مسؤولية تُبنى وتُحمى وتحترم.