الزواج والعلاقات العابرة: من يتحمّل الكُلفة؟
 
بقلم المستشار القانوني
 
في مجتمع يتأرجح بين الالتزام القيمي والانفتاح الاجتماعي، أصبح مفهوم “العلاقة” نفسه عرضة لإعادة تعريفٍ متكررة. فبينما يُفترض أن الزواج هو الرباط الشرعي والقانوني الذي ينظم العلاقة بين رجل وامرأة، أصبحت العلاقات العابرة — بأسمائها المختلفة، من تعارفٍ سريع، إلى ارتباط مؤقت، إلى زواج عُرفي أو شرعي بلا نية استقرار — تمثل واقعًا اجتماعيًا لا يمكن إنكاره… بل باتت مشهدًا متكرّرًا في المدن الكبرى، وحول الجامعات، وفي فضاءات العمل، وحتى في الفضاء الرقمي.
 
لكن السؤال هنا: من يتحمل الكُلفة في النهاية؟
 
إذا كانت العلاقات العابرة تقدم نفسها بوصفها “حرية شخصية” أو “تجربة اجتماعية” أو “حق فردي”، فإن واقعها القانوني والإنساني مختلف تمامًا. ذلك أن كل علاقة — أيًا كانت تسميتها — تترك أثرًا. وقد لا يكون هذا الأثر وجدانيًا فقط، بل ماديًا، وحقوقيًا، وربما جنائيًا أيضًا.
 
أولًا: الكُلفة القانونية
 
يُفترض أن الزواج كعقد قانوني يُنشئ التزامات متبادلة بين الطرفين، من نفقة، وميراث، وولاية، وحقوق إنجاب، ومسؤوليات في حالة الطلاق. لكن حين تتحول العلاقة إلى شراكة غير موثقة، أو زواج عرفي، أو ارتباط غير مُعلن، فإن القانون يجد نفسه عاجزًا أو متأخرًا في حماية أحد الطرفين — وغالبًا ما تكون المرأة هي الطرف الأضعف.
 
في حالات الزواج غير المثبت، لا تستطيع الزوجة المطالبة بالنفقة، أو إثبات النسب بسهولة، ولا تتمتع بحماية قانونية متكاملة. وعند انقطاع العلاقة، قد تجد نفسها وقد خسرت الكرامة والأمان والاستقرار… بينما يخرج الطرف الآخر بلا التزام.
 
أما في الحالات التي تُقام فيها دعوى إثبات زواج أو نسب، فإن الكُلفة النفسية والاجتماعية تفوق الإجراءات القانونية. فالمجتمع لا يرحم من تخطئ التقدير، والمحكمة لا تنصف من لا تملك بينة.
 
ثانيًا: الكُلفة الاقتصادية
 
في الزيجات المؤقتة، أو “علاقات التجربة”، أو حتى بعض صور الزواج الرسمي الذي بدأ وانتهى بسرعة خاطفة، غالبًا ما يتحمل الرجل الكُلفة المالية الأكبر، سواء من حيث المهر، أو الهدايا، أو تأسيس بيت الزوجية، أو الالتزامات المالية التي تُفرض عند الطلاق.
 
لكن، في حالات عديدة، لا تكون المرأة بعيدة عن الكُلفة الاقتصادية كذلك. فحين تُبنى العلاقة على أمل غير مكتمل، تضيع سنوات عمرها في مشروع لا يعود عليها باستقرار، وقد تخسر فرصًا أخرى للاستقرار أو الإنجاب أو الأمان النفسي، مقابل تجربة لم تُدفع فيها كُلفة عادلة من الطرف الآخر.
 
ثالثًا: الكُلفة الاجتماعية والنفسية
 
العلاقات العابرة تُربك مفهوم الأسرة في وعي الجيل الجديد. فحين لا يجد الشاب أو الفتاة نموذجًا مستقرًا للأسرة، أو يرى الزواج كمغامرة غير مضمونة العواقب، يفضّل التأجيل أو الهروب. ويترتب على ذلك جيل يتأخر في الزواج، أو يتجنبه، أو ينخرط فيه بطريقة دفاعية — بوثائق قانونية مشروطة، أو بزواج غير معلن، أو بعلاقات سطحية دون التزام.
 
الضحية هنا ليست فقط الفرد، بل المجتمع ككل. لأن بناء الأسرة — قانونيًا، واجتماعيًا، وتربويًا — هو أحد أعمدة استقرار أي مجتمع. وكل علاقة عابرة تخلق عبئًا مستقبليًا: إما طفلًا خارج إطار الزواج يحتاج لحماية قانونية، أو امرأة تطالب بحقوق غير موثقة، أو رجلٌ يتهرب من التزام لم يكن واضحًا منذ البداية.
 
من المسؤول إذن؟
 
في الحقيقة، يتحمّل الجميع الكُلفة بدرجات متفاوتة:
            • القانون الذي لا يواكب التحولات الاجتماعية ولا يوفر حماية كافية للعلاقات “غير النمطية”.
            • الرجل الذي يدخل علاقة دون وعي بالعواقب القانونية والمالية.
            • المرأة التي تنجرف خلف وعود غير موثقة فتخسر كل شيء.
            • المجتمع الذي يبارك التحرر دون أن يضع له ضوابط، ثم يدين نتائجه.
            • والمؤسسات الدينية والإعلامية التي غابت عن التوعية الرشيدة.
 
الزواج لم يكن يومًا مجرد علاقة شخصية، بل هو عقد مدني وشرعي يحمل في طياته التزامًا قانونيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا. وكل خروج عن هذا الإطار، تحت مسميات الحرية أو الحداثة، يجب أن يُقابل بوعي قانوني صارم، يُنبه الطرفين إلى الحقوق والواجبات، ويضع خطوطًا حمراء لا يُسمح بتجاوزها.
 
نحن لا ننتقد الحرية… بل نُطالب بترشيدها. ولا نهاجم الاختيار… بل نُذكّر بكُلفته.
 
لأن العلاقة العابرة لا تعبر بدون أثر. والحرية غير المنضبطة تُولد المسؤولية… إن لم تكن اليوم، فغدًا، أمام القانون، أو الضمير، أو المجتمع.
 
مجموعة الوصل القانونية ، محامون متخصصون في قضايا الأحوال الشخصية بخبرات تمتد لسنوات، ومئات القضايا الناجحة، ومواقف تفاوضية حساسة تُدار بأقصى درجات التحكّم والسيطرة النفسية.
نسعد دائما بتواصلكم معنا
العنوان: جمهوريه مصر العربية - الجيزة - الشيخ زايد - سنترادا مول، مكتب201

جميع الحقوق محفوظة © 2025 مجموعة الوصل القانونيه
تم التطوير بشركة لوجيك نيد ذ.م.م
Logic Need Co., LTD