الزوجة التي تمنع الأطفال عن أبيهم بعد الطلاق
 الزوجة التي تمنع الأطفال عن أبيهم بعد الطلاق: مسؤولية جنائية… أم صمت قانوني؟

بقلم: المستشار القانوني – مجموعة الوصل للمحاماة والاستشارات القانونية
 
في دهاليز المحاكم، وعلى أرصفة مراكز الرؤية، وفي زوايا النوادي التي خُصصت لرؤية الأطفال، يجلس كثير من الآباء بأعين مثقلة بالشوق، يحملون الهدايا والقصص والحلوى، بانتظار طفلٍ قد لا يأتي.
تُسدل الستارة كل أسبوع على مأساة مكررة: زوجة حاضنة قررت، بمزاجها أو بضغط المحيط، أن تمنع الأب من رؤية أطفاله، دون سند قانوني، ودون رادع فعلي.
 
في لحظة واحدة، يتحوّل الأب إلى غريب، ويصبح ابنه – الذي كان يحتضنه كل مساء – مشروع صورة على الهاتف، أو صدى بكاء على باب المحكمة. والمُدهش أن هذا الانتهاك الفادح لا يُقابل بردع قانوني حقيقي، بل يمرّ كأنه حدث عرضي في مشهد أسري مشوّش.
 
فهل يُعقل أن يُسجن الأب إن تأخر في النفقة، وتُترك الأم إن حرمت الأطفال من أبيهم؟
 
أين التوازن؟ أين الردع؟ أين القانون؟
 
 
الرؤية… حق أصيل أم إجراء شكلي؟
 
ينص القانون المصري، شأنه شأن أغلب الأنظمة العربية، على أن للأب غير الحاضن “حق رؤية” طفله، لمرة أسبوعيًا، غالبًا في نادٍ اجتماعي، ولمدة لا تتجاوز ثلاث ساعات.
 
لكن في الواقع، هذا الحق يتحول إلى “أمنية مؤجلة”، إذ يكفي أن تتغيب الأم عن جلسة الرؤية، أو ترفض اصطحاب الطفل، حتى يُلغى اللقاء، بلا مساءلة حقيقية.
 
فالأب لا يملك وسيلة تنفيذ قهرية، ولا يُنفذ الحكم بالرؤية إلا حضورياً، ولا يُطبق ضد الزوجة إلا غرامة رمزية أو إنذار هزيل، لا يتناسب مع حجم الجريمة النفسية.
 
والنتيجة؟!!!!!
 
طفل يُربى على فكرة أن والده “تخلّى عنه”، بينما الحقيقة أن الأب طُرد من المشهد بفعل قانون أعطى للحاضن سلطة مطلقة بلا رقابة.
 
انتهاك خفي للطفولة… وعقوبة لا تُذكر
 
تصر المواثيق الدولية، وأبرزها اتفاقية حقوق الطفل (المادة 9)، على حق الطفل في الاتصال المنتظم بكلا والديه، سواء كانا منفصلين أم لا. وفي أغلب النظم القانونية المقارنة (كفرنسا وألمانيا)، فإن منع أحد الوالدين للآخر من الرؤية يُعد جنحة يُعاقب عليها بالسجن أو الغرامة القاسية، لأنه إخلال مباشر بحقوق الطفل.
 
لكن في مصر، وعلى الرغم من أن القانون يعاقب على امتناع الزوجة عن تنفيذ حكم الرؤية بموجب المادة 76 مكرر من قانون الأحوال الشخصية، فإن العقوبة لا تتجاوز:
            • غرامة لا تتعدى 500 جنيه
            • أو إنذار بالتنفيذ
            • أو في بعض الحالات، إلغاء الحضانة إن ثبت الضرر الجسيم – وهو ما نادرًا ما يحدث
 
فهل يُعقل أن يُحرَم الطفل من أبيه لأشهر وسنوات، وتبقى العقوبة بهذا التراخي؟
نقل الحضانة: حلم بعيد المنال؟
 
حتى في الحالات التي تتكرر فيها وقائع منع الرؤية، يجد الأب نفسه أمام معركة قانونية شاقة لإثبات الضرر، وتحريك دعوى لنقل الحضانة.
            • عليه أن يُثبت أن الحاضنة تُسيء للطفل نفسيًا أو تهدد مصلحته.
            • عليه أن يثبت “تكرار” منع الرؤية، مع محاضر مثبتة وتوثيق متكرر.
            • وحتى حين يصدر الحكم، قد يُواجه صعوبات في التنفيذ بسبب تواطؤ إداري أو مراوغة قانونية.
 
في النهاية، يدفع الطفل الثمن، ويدفع الأب عمره في أروقة المحاكم، في حين لا يخسر الطرف الممتنع عن تنفيذ الرؤية إلا بعض الإنذارات الشكلية.
 
 
هل آن الأوان لتجريم المنع من الرؤية؟
 
الاجابة ... نعم، وبلا تردد.
 
منع الأطفال عن أحد والديهم – دون مسوغ قانوني – يجب أن يُعتبر “جريمة أسرية” مكتملة الأركان، لا مجرد مخالفة مدنية.
هذه الجريمة تُهدد السلام النفسي للطفل والروابط العاطفية بين الأبناء وآبائهم ومفهوم الأسرة ذاته ككيان يقوم على التوازن لا الهيمنة
 
ونقترح تعديلًا تشريعيًا يشمل:
            1. تجريم المنع من تنفيذ حكم الرؤية عمدًا، بعقوبة لا تقل عن الحبس ستة أشهر وغرامة مالية مؤثرة.
            2. منح الأب حق الاستضافة لا الرؤية فقط، بضوابط تضمن مصلحة الطفل.
            3. تحريك الدعوى من النيابة العامة تلقائيًا عند تكرار الامتناع، دون حاجة لرفع دعوى جديدة.
            4. تخصيص دوائر سريعة البتّ لقضايا التنفيذ الأسري، بعيدًا عن روتين الأحوال الشخصية.
 
في الختام… من يحمي الأب؟ ومن يحمي الطفل من الاستغلال؟
 
إن العلاقة بين الوالدين بعد الطلاق قد تنقطع، لكن العلاقة بين الأب وأطفاله حق طبيعي ومقدّس، لا يجب أن يُختزل في مواعيد هامشية أو تُقيّده الأهواء الشخصية.
 
منع الأطفال عن آبائهم ليست “رد فعل نسائي مفهوم”، بل جريمة ناعمة تمارس يوميًا تحت غطاء الحضانة، وتترك جروحًا نفسية لا تندمل.
 
آن الأوان أن ينظر القانون إلى الأب كطرف متضرر أيضًا… وأن يُحاسب كل من يستخدم الأطفال سلاحًا في معركة الطلاق، بدلًا من أن يحميهم ككائنات ضعيفة تستحق علاقة متوازنة بكل من أنجبهما.
 
مجموعة الوصل القانونية ، محامون متخصصون في قضايا الأحوال الشخصية بخبرات تمتد لسنوات، ومئات القضايا الناجحة، ومواقف تفاوضية حساسة تُدار بأقصى درجات التحكّم والسيطرة النفسية.
نسعد دائما بتواصلكم معنا
العنوان: جمهوريه مصر العربية - الجيزة - الشيخ زايد - سنترادا مول، مكتب201

جميع الحقوق محفوظة © 2025 مجموعة الوصل القانونيه
تم التطوير بشركة لوجيك نيد ذ.م.م
Logic Need Co., LTD